سيد أحمد غزالي
الاثنين – 15 جمادى الأولى 1440 هـ – 21 يناير 2019 مـ رقم العدد [14664]
رئيس وزراء الجزائر الأسبق رئيس لجنة التضامن العربي الإسلامي مع المقاومة الإيرانية
أحياناً تتحدّث الصحافة الغربية والعربية عن عدم وجود بديل جاهز لنظام الملالي، وتعدّ فقدان البديل الحلقة المفقودة في المعادلة الإيرانية.
وعندما يصل الأمر في المعادلة السياسية إلى موضوع البديل، فهذا معناه أن النظام الحاكم في طور الزوال.
وهذه الفكرة ناتجة عما يجري في إيران منذ نحو عام، وبعدما توسّعت دائرة الاحتجاجات والانتفاضات في مختلف أرجاء إيران.
وجميع التقارير الواردة من مختلف المصادر تتفق أولاً على أن أبناء الشعب الإيراني يبحثون عن التخلّص من النظام الحاكم.
ثانياً على أن النظام لم يستطع إخماد الانتفاضات والاحتجاجات رغم استخدام مختلف صنوف القمع.
الشعارات التي رفعها أبناء الشعب الإيراني في مظاهراتهم وحركاتهم الاحتجاجية تشير إلى تطوّر كبير.
على سبيل المثال؛ منذ بداية الانتفاضة رُفعت شعارات: «أيها الإصلاحيون والأصوليون انتهت اللعبة»، و:«عدوّنا قابع هنا… كذباً يقولون إنه أميركا»، و:«جعلوا من الإسلام سلّماً لإذلال الشعب»، و:«ندير ظهرنا للعدو ونتوجّه للوطن»، و:«هيهات منّا الذلّة»، إضافة إلى مئات الشعارات بضرورة إسقاط خامنئي وروحاني والنظام كله.
ولأننا هذه الأيام نعيش الذكرى الأولى لاندلاع هذه الانتفاضة، فيمكن الحديث عن أبعاد أخرى من هذا الحدث الكبير في تاريخ إيران.
على سبيل المثال؛ هذه الحركات الشعبية تواصلت بمختلف أشكالها ومن قبل شتّى طبقات وشرائح الشعب، رغم استخدام أقسى أنواع القمع.
كما أصبح من الواضح أن النظام الحاكم عاجز عن حلّ المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت أساس هذه الاحتجاجات.
وكانت المشاركة واسعة في مختلف أرجاء إيران؛ حيث شارك فيها مختلف الأقوام والأعراق والأديان، ورفعت شعارات تستهدف أساس النظام.
أبناء الشعب في الأحواز ردّدوا الشعارات نفسها التي ردّدها أهالي أصفهان.
السمة الأخرى لهذه الانتفاضات التي يمكن أن نعدّها أهم تطور؛ هي دور المقاومة الإيرانية و«مجاهدين خلق» في إبقاء شعلة الانتفاضة متّقدة من خلال معاقل الانتفاضة ومجالس وخلايا المقاومة.
على أي حال؛ تدلّ المؤشرات المختلفة على أن إيران على أعتاب تغيير كبير.
ولا شكّ في أن التغيير في إيران معناه سقوط أممية التطرف والإرهاب التي تقودها إيران الملالي، وبمعناه الإيجابي عودة الاستقرار والهدوء إلى بلداننا في الشرق الأوسط وإلى الدول العربية والإسلامية ككل.
المشكلات الاقتصادية والمعيشية لن تجد حلاً في ظلّ النظام الحالي على المدى المنظور، وكل يوم يمرّ تزداد فيه هذه الحالات سوءاً بفعل الفساد المتفشّي في أركان الحكم، وبفعل العقوبات، وبفعل صرف الثروات الإيرانية على الحروب والإرهاب في سوريا ولبنان واليمن وغيرها من البلدان.
كما أن هذا النظام لن يستطيع التراجع عن تدخلاته في الدول الأخرى والحدّ من سياساته التوسعية والتدخلية، مما يدفع بالبلدان العربية والإسلامية لاتخاذ موقف ضد هذا النظام.
وفي الإطار نفسه تأتي مشروعات نظام الملالي الصاروخية والنووية.
إذن يبقى نظام ولاية الفقيه مكروهاً ومنبوذاً داخلياً وشعبياً وإقليمياً ودولياً.
وهذا معناه أن التحرك الشعبي والمظاهرات والحركات الاحتجاجية بتوجيه وتنظيم مجالس المقاومة ومعاقل الانتفاضة…
يدفع هذا النظام نحو السقوط. وهذا ما يعبّر عنه ويعترف به قادة النظام ليل نهار، ويلقون باللوم فيه على «مجاهدين خلق» بأنهم يقفون خلف هذا الحراك الشعبي.
من هنا يمكننا أن نفهم ما البديل في إيران.
البديل هو التيار الذي له جذور ثابتة في المقاومة الشعبية منذ قديم الزمان، وله خلفية نضالية وسياسية واضحة في سبيل مصالح الشعب، وله برامج وخطوط عريضة مستقبلية لإيران الغد، كما يجب أن يكون لديه تنظيم سياسي ذو كفاءة لقيادة نضال الشعب، وقبل كل هذا وبعده يجب أن يكون مستعدّاً لدفع الثمن.
المقاومة الإيرانية هي التي بدأت نشاطها النضالي منذ 54 عاماً، أي قبل مجيء الملالي بثلاثة عشر عاماً، ضد ديكتاتورية الشاه.
كما أنها وقفت منذ اليوم الأول في وجه الهجمة الخمينية ضد مصالح الشعب، ودفعت ثمناً باهظاً للدفاع عن قضية الشعب الإيراني ولتحقيق الحرية والديمقراطية؛
إذ أن 120 ألف شخص سقطوا خلال المجازر والإعدامات الجماعية بيد نظام الملالي، ومن بينها مجزرة عام 1988 ضد 30 ألف سجين سياسي.
هذه المقاومة لها خطوط عريضة واضحة ومعلنة لجميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها، وبرامج ومشروعات محدّدة.
وتم استخلاص هذه البرامج في المواد العشر التي أعلنتها السيدة مريم رجوي رئيسة جمهورية هذه المقاومة.
هناك جسم سياسي باسم «المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية» الذي يعدّ برلمان المقاومة في المنفى، كما انبثقت عن هذا المجلس 25 لجنة؛ اللجان التي تعد نواة للوزارات المستقبلية للفترة الانتقالية.
علاوة على «المجلس الوطني للمقاومة» هناك آلاف من كوادر هذه الحركة منتشرون في مختلف دول العالم، خصوصاً أكثر من ألفين وخمسمائة منهم في ألبانيا في قاعدة باسم «أشرف الثالث».
هذه المجموعات هي خلاصة نضالات الشعب الإيراني ضد نظامي الشاه والملالي.
ولديهم استعداد وكفاءة لتحويل إيران إلى بلد ديمقراطي مسالم ومزدهر ومتقدّم، ليكون واحة الاستقرار والرقي في منطقة الشرق الأوسط.
هذا؛ ونسمع هذه الأيام كثيراً عن مواقف الإدارة الأميركية في عهد الرئيس ترمب بشأن النظام الحاكم في إيران.
الرئيس الأميركي منذ حملته الانتخابية وجّه انتقادات حادّة إلى سياسة سلفه باراك أوباما بشأن منطقة الشرق الأوسط، وبشكل خاص بشأن إيران والعراق.
لقد أعلن ترمب أن الولايات المتحدة الأميركية أنفقت أكثر من 3 تريليونات دولار في العراق، ومن ثمّ وضعت هذا البلد على طبق من ذهب وأهدته للملالي الحاكمين في إيران.
أكثر من ذلك؛ أركان القيادة الأميركية الحالية أعلنوا مرّات عدة أن أميركا أخطأت في الهجوم على العراق وإسقاط النظام العراقي والإخلال بالتوازن الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط.
وهنا تجب الإشارة إلى التجربة التي مرّ بها العراق خلال فترة سقوط النظام السابق؛ حيث الأميركان اعتمدوا على العملاء من عندهم أو عند الملالي لمستقبل العراق.
وهذه الخطيئة الكبرى هي التي خلقت عدم الاستقرار والإخلال بالتوازن.
وكانت النتيجة أن الملالي سيطروا على مصائر العراق، وجعلوا من هذا البلد الكبير في التاريخ وفي الثروات، بلد القتل والدمار والفقر وجميع مساوئ الحياة.
إذن؛ يجب على الجميع أن يعرف ويعترف بأن هناك تياراً شعبياً ديمقراطياً متجذّراً في عمق الشعب الإيراني، وناشطاً فاعلاً على الصعيدين الداخلي والدولي؛ هذا التيار الذي عمل وكافح منذ عقود من أجل إسقاط نظام الملالي…
هذا هو البديل للنظام الحاكم، وعلى الجميع الاعتراف بهذه الحقيقة، لأن هذا التوجه ضمان لمستقبل إيران والمنطقة، ولأن أي محاولة أخرى لن تكون أكثر من ذرّ للرماد في عيون الشعب الإيراني، وإبقاء مستقبله على «كفّ عفريت ولاية الفقيه والقمع والإرهاب».
– رئيس حكومة الجزائر الأسبق رئيس «لجنة التضامن العربي الإسلامي مع المقاومة الإيرانية»